تفاحتي: بدايات قصيرة قد تصبح طويلة (ا)
بقلم مايك ديرديريان
شكرا نسرين، يا نصفي الآخر ، عالتدقيق اللغوي …
(بعدين)
صوت اكزوت عالي صادر من بيك اب ديانا مزركشة أيقظ حسان حميدو من غفوته.
شد حسان على عينيه كأنه يرفض نداء الحياة.
يا لها من حياة! فكرة عابرة تقوقعت داخله منذ أن تخرج من الجامعة. ثلاثة أشهر قد مرت ولم يجد من يوظفه.
الكل يريد كتاباته و لكن لا أحد يريد توظيفه.
ينهض حسان من الفراش و يدخل إلى الحمام حيث يغسل وجهه. ينظر إلى المرآة لعدة دقائق قبل أن يخرج.
غرفته مرتبة. كتبه مرصوفة على رفوف خشب قام بتركيبها مع أبيه.
يبدأ حسان بارتداء ثيابه. قميص أبيض. بنطال جينز باهت اللون. حذاء رياضي أسود مع ثلاثة خطوط بيضاء.
يتناول مجموعة من الكتب و يضعها في حقيبة ظهر سوداء و يخرج من غرفته.
حسان:
صباح الخير يا أمي الحنونة…صباح الخير يا أبي…صباح الخير…
لا يسمع جوابا!
يخرج من المنزل ويمشي باتجاه درج السنترال القديم و الذي يؤدي إلى البلد.
يبدأ حسان بالنظر إلى مباني البلد القديمة و يتابع الأمواج البشرية الشحيحة والتي كانت فيما مضى تبتلع الفرد.
يصل حسان إلى مدخل الشبسوغ حيث يقف منتظرا الباص.
بعد مضي عدة دقائق(القليل من الوقت) يدرك حسان أان الباص تأخر.
راح اتاخرعالمحاضرة…هاه شرف…
بما أنه لم يجد عملا بعد فقط واظب حسان على الدوام مع بعض الأصدقاء الذين تعرف عليهم مثل الولد المتشبث بأم لم تعود موجودة.
يتدافع الواقفون و يجد حسان نفسه واقفا أمام السائق الذي يشير إلى الحصالة.
السائق:
منين بدي أصرف النص…إذا ما معك انزل.
حسان بعد ان يقذف النصف بالحصالة:
يا عمي مسامح…السلام عليكم…
يسرع حسان إلى الخلف و فيما هو مار بالمقاعد الأمامية يسمع صوتا يناديه
شاب بدين و ذو شعر طويل:
حسان…حسان…
ينتبه حسان و ينطر إلى الخلف ليعود إلى حيث الشاب يجلس.
يتبادل الإثنان التحية و يجلس حسان بجانب الشاب.
كفاح خليفة:
ولك كيفك…زمان عنك…وينك ما عم بتدوام!
حسان:
ومين قلك إني ما عم بدوام.
خليفة:
الشباب صرلهم فترة مش شايفينك…وين مختفي!
حسان:
ليش الشباب شايفين حدا! ما البنات عامية ضوهم…قللي كيف الدراسة معك…ملحق موادك..
خليفة:
والله ماكل هوا…و كلوا كم يدي…يا زلمة مش ملحق بين الدراسة و بين الشغل و بس تحكي للبروفيسور بيقولك و شو دخلني أنا بحياتك…كيف مش دخلك…مش انت اللي مفروض تهيئني للحياة…
حسان:
سيبك من هالتهيوات…كيف الشغل؟ داحل والا معلق بحجر؟
خليفة:
دفش…اسمع ذكرتني…
تعرف شو صاير لقبك هالايام….حسون الملعون…
مين هالبنت اللي عم تمشي معها هالأيام…الشباب قاللولي اشي بيهبل!
حسان:
اف…اف…اف…و شو قالولك كمان…
يدرك حسان بأنه اقترب من الموقف
يا عمي بلا هالحكي الفاضي و خلينا ننزل…
يقف الباص عند الموقف الذي بجانب حدائق الملك عبدالله. حيث يقف الإثنان لوهلة إلى أن يأتي باص آخر
ما أن يعبر اإاثنان بوابة الجامعة الأردنية المزدحمة حتى يلمح حسان فتاة جالسة لوحدها.
حسان لا يرى غيرها. اسمها ندى.
حسان لنفسه:
كان وقتك يا سامر…كيف بدي اروح عند البنت من غير ما اشلق الحمير.
خليفة:
وين رحت…يلا يا زلمة الشاب مشتاقين…
في تلك اللحظة ينظر حسان للفتاة الجالسة و التي تبادله النظر.
تقف الفتاة عند اقتراب فتاتين.
يقرأ شفتيها:
بعدين…باي…
ثم ابتسامة لم يرى مثلها و تختفي مع جمع من صديقاتها.
ينظر حسان إلى خليفة و يبتسم:
بعدين بعدين يلا يا أستاذ…
خليفة:
شو…
يمشي الإثنان
(و رحل درويش)
الساعة السابعة والنصف. شاب (ليس حسان إنما شخص بلا اسم) بمنتصف العمر جالس على الدرجات التي تؤدي إلى مسرح البلد. بعد لحظة تأمل يمد يده إلى كيس و يخرج شطيرة. يبدأ بنزع الورق عنها و قبل أن يأخذ قضمة منها ينظر إلى السيارات و المارة الذين لا يروه.
يلتفت الشاب إلى الخلف و ينظر إلى آخر الدرج حيث تجمهر بعض الناس.
أصوات مسموعة يطغى عليها صوت درويش:
“أين شظايا الشيء والا شيء…نحيا في ضواحي الأبدية…نلعب الشطرنج أحيانا…ولا نأبهه بالأقدارخلف الباب ما زلنا هنا نبني من الأنقاض أبراج حمام قمرية…نعرف الماضي ولا نمضي…و لانقضي ليالي الصيف بحثا عن فروسيات أمس الذهبية…”
صوت زمور عالي يشتت انتباه الشاب.
الشاب:
توفي محمود درويش. يا ترى هل سيتوقف العالم! لا لن يتوقف فإذا توقف فيكون قد مات مع درويش.
يلحظ الشاب ثلاثة شباب ينزلوا على الدرج. سمع أحدهم يقول:
طب من برايكم راح يحمل الراية؟
أحد الشباب:
وانت شو همك!
قبل أن يسمع الجواب يبتعد الثلاثة.
الشاب:
فعلا من سيكمل المشوار الذي ما زال بأوله.
ما أن بات صوتنا مسموع حتى تدخل القدر فأخفاه.
ينهض الشاب و يمشي ياتجاه الشارع ليجد نفسه واقفا أمام بوستر لمريم فارس. ينظر داخل المحل فيرى شلة من الناس حاملين أسطوانات مضغوطة (أفلام) و يتبادلون أطراف الحديث على أنغام موسيقى عربية صاخبة.
الشاب:
هه…حتى لو وجد الصوت من سيسمعه مع كل هذه الضوضاء.
يتذكر الشاب شيئا و يقرر شراء DVD
يدخل الشاب و يسأل بائع في مقتبل العمر عن مسرحية كاسك يا وطن لدريد لحام.
مجموعة من الأجانب تحمل عدد من ال DVDs المقرصنة.
الشاب الذي يعمل في المحل:
لحظة لأشوفلك؟
يصعد إلى الطابق العلوي. يعود بعد لحظات حاملا DVD عليه صورة دريد لحام.
نفس الشاب الذي يعمل في المحل:
وهي شقائق النعمان بتحبي توخذي كاسك يا وطن او غربة…عندي DVD لنبيل صوالحة و هشام يانس.
فتاة اسمها رندة أبو الرب:
بعدين…دينار صح…
الشاب الذي يعمل في المحل:
اذا اليك عالرومنس وصلتني مجموعة مرتبة و الصورة طبع…حاضرة فيلم اسمه Notebook إشي من الآخر…و حتى عندي فيلم للشب اللي فيه اسمه Stay فصمة العادة.
الفتاة:
لا شكرا…
تخرج الفتاة بعد أن تضع الDVD في حقيبتها.
الفتاة لنفسها:
شو لعة…اف…منيح جبت الجاكيت يا رندة…برد الطقس منيح…مين بيصدق انو صار مارق ثلاث سنين عالتفجيرات الي بكت عمان…
تنظرإلى المباني القديمة ثم السماء المائلة إلى الرمادي….
تمر من جانب محل أبو راتب للعصير. شلة من الشباب الواقفة أمام المحل يبحلقون بها.
أحد الشباب:
شو هالطعجة…
تنظر إليه نظرة لا مبالاة.
شو ليكون مش عاجبك…
شاب اخر:
يا زلمة استحي…
تعبر الفتاة الشارع لامبالية بما حدث و تبدأ بالمشي باتجاه Snack Twenty Two تتساقط حبات خفيفة من المطر ما تلبث أن تصبح كبيرة.
رندة:
حتى السما قررت تبكي هاليوم…بس هالمطرات طعمها لذيذ (تبتسم)…دموع فرح…عمان و أهلها نهضت…الحمدلله…
تنظر إلى ساعتها المبتلة.
رندة:
تأخرت…
تؤشرإلى تكسي.
تركب السيارة.
رندة:
الأشرفية عند جامع أبو درويش…
السائق بتردد:
بدي أخلص من أزمة البلد بدك تفوتيني بدخلات و طلعات الأشرفية… ما لقيت غير الأشرفية…
رندة:
أسفة عمو هلا بس أوصل عالبيت بحكي لابوي ننتقل…وين بتنصحنا ننتقل!
السائق بعد نظرة استغراب:
بنات آخر زمن…
سمعت رندة التعليق و لكنها تجاهلته و تجاهلت السائق الذي طوال الطريق ظل يصدر أصوات افأفة.
ما أن تتكىء على المقعد براحة تتابع رندة المباني و الشوارع وتغرق بأفكارها.
تفكر:
اه…شو حلوة عمان بالشتا…امتى راح نتمشى تحت هالمطرات…امتى…
(ثقافة)
سيجارة مرمية على الأرض.
شارع الثقافة. الشمس قاربت على المغيب. أصوات السيارات و الناس تملىء المكان.
السيجارة ما تزال بمكانها.
يمكن سماع صوت مكنسة ما يلبث أن يصبح أقرب.
فجأة تختفي السيجارة مع مجموعة من القاذورات داخل علبة كرتون يحملها عامل نظافة في آواخر الأربعين.
عامل النظافة (مونولوج):
آه…لامتى راح تضل يا علي بتكنس وسخ و قرف الناس! يلعن أبو هالشغلة…
يقوم علي بكنس الأوساخ المتجمعة عند حواف الرصيف إى أن يصل عند كشك أبو محمود حيث تقف عربته.
عامل النظافة (مونولوج):
يعني ما كان فيهم بعد ست سنين يخلوني أرافق سيارة…أحسنلي من هالشنططة تحت الشمس. بنظف و بنظف مثل كل هالشباب الي بيشتغلوا زي لنحافظ ععمان نظيفة منشانكم…و فوق كل هادا ما حدا بيستنظف يقولك مرحبا و لا يعطيك العافية…
لازم أحكي مع خلدون بلكي دبرها و ساعدني أشتغل مع سيارة…صحيح التعب نفسه و عالأغلب الراتب نفسه بس بيكفي إنو ما بضطر أمشي كل هادي المسافات وأنا بدفش عرابية و لا حامل كرتونة بتظلها تنمزع…
اييه…اييه…خلينا نروح نشتريلبنا علبة عصير بارد…نبل هالريق…
(محل الموسيقى الي جنب حمودة)
شاب:
تفضلي يا آنسة وهاي CD فيروز اللي كنت موصية عليه.
احدى الفتيات ذو الشعر الأحمر بعد أن تتناول ال CD :
شكرا…يلا يعطيك العافية…
ما أن تبدأ الفتاتان بالمشي باتجاه الشارع الرئيسي تقول إحداهما للأخرى:
راح تشوفي المحروس اليوم بالجامعة؟
الفتاة ذو الشعر الاحمر:
أقولك والا ما أقولك يا زينة؟
زينة:
يعني بلا زناخة…فكرك مش عارفة لمين جيبت CD فيروز…حبيب القلب حسان…صارلك اسبوع محرقصة….كل يوم بتجريني هون قبل الدوام… عكلن شو صار معكم!
الفتاة ذو الشعر الاحمر:
همم…الوضع مش زيادة…لسه مش عارفة عنو كتير…اليوم مفروض ألاقيه…هاه هي تكسي…بكملك عالطريق…
الفتاة ذو الشعر الأحمر تفتح الباب و تصعد الفتاتان إلى السبارة:
عالجامعة الأردنية لو سمحت؟
ينطلق التكسي مصدرا صوت اكزوزت عالي.
قد يتبع…
للجزء الثاني من هذه السلسلة إضغظ على هذا السطر